بعد الصدى والنجاح الذي لاقته حملة التمويل الجماعي الخاصة بمشروع "بولد نوت" Bold Knot في نهاية عام 2015*، ازدادت تطلّعات روّاد الأعمال في فلسطين بشكلٍ عام وفي قطاع غزة بشكلٍ خاص للدخول في سوق الشركات الناشئة الصناعية في مجال الأجهزة Hardware.
ومما زاد الحاجة والطلب على المنتَجات الصناعية محلياً، هو دخول غزة في السنة العاشرة من الحصار والإغلاق، حيث أنّ الكثير من الأدوات والأجهزة غير متوفّرٍ محلياً، ما أوجد أرضاً خصبة للابتكار المحلّي في هذا المجال.
دور البحوث في دعم الابتكار في المجال الصناعي
الجامعة الإسلامية في غزة، والتي تضم حوالي 20 ألف طالب، أنشأت "مركز المشاريع والبحوث" Projects and Research Center منذ عام 2002 لدعم أبحاث وتطبيقات الأجهزة، حيث تقدّم مختبرات وأدوات عمل مفتوحة للطلاب والباحثين من الطلاب ومن خارج الجامعة ممّن يعملون في مجال تطوير وابتكار الأجهزة الالكترونية.
يفيد عمار أبوهدروس، مدير المركز والأستاذ في مجال الهندسة الكهربائية، بأنّ المركز قد ساعد بشكلٍ ملحوظ على توجيه ودعم الطلاب الراغبين في تطوير مشاريع التخرّج الهندسية الخاصة بالأجهزة والإلكترونيات، بالإضافة إلى دورها في ربط أصحاب المشاريع مع حاضنات الأعمال لتنميتها.
ولكنّ أبوهدروس يقرّ بوجود ثلاثة عقبات رئيسية تواجه المشاريع المتعلقة بالأجهزة والإلكترونيات: أولاً، والأكثر وضوحاً، هو عدم وجود تمويلٍ كافٍ لدعم هذه المشاريع؛ وثانياً هي محدودية الأدوات والمعدات المتوفرة للتصنيع بسبب الإغلاق، وأخيراً مشكلة تحويل المشاريع البحثية (مشاريع التخرّج ونحوها) إلى مشاريع إنتاجية مدرة للدخل.
"هناك مشكلة في ندرة الأجهزة والأدوات المتاحة مثل أجهزة "راسبيري باي" Raspberry pi وغيرها من الأجهزة التي تُستخدَم كمكوّناتٍ في الأجهزة الإلكترونية، حيث يضطرّ أصحاب المشاريع للبحث عن طرق وحلول بديلة لإتمام مشاريعهم،" يقول أبوهدروس، مضيفاً" أنّ الطلبة يتميزون بمهاراتٍ تقنيةٍ جيّدة لكنّهم يفتقرون إلى التمويل والتوجيه، لذلك نربطهم مع حاضنات الأعمال".
طباعة الابتكار في غزة
يعمل محمد أبو مطر، الشريك المؤسس في مشروع "ثري دي برينتج آرت" 3D Printing Art، في تصميم لوحات الدارات الإلكترونية منذ بضعة سنوات، حيث يتطلّب عمله بعض الأجزاء التي يمكن الحصول عليها فقط من خلال طابعةٍ ثلاثية الأبعاد، وهي لم تكن متوفّرةً محلياً.
حاول أبو مطر الحصول على طابعة ثلاثية الأبعاد على مدار سنوات، ولكن عندما أدرك صعوبة ذلك قرر أن يبني واحدةً بنفسه.
ولكنّه سرعان ما اصطدم بمشكلةٍ إضافيةٍ تتمثّل في صعوبة العثور على الخيوط البلاستيكية المستخدمة في الطباعة، فقرّر أيضاً بناء آلةٍ لنسج الخيوط filament extruder، وهي جهاز يحوّل القطع الصغيرة من البلاستيك الخام إلى خيوط تُستخدم في الطابعات ثلاثية الأبعاد لطباعة النماذج.
"لم يكن يتوفّر الكثير من العناصر واضطررتُ إلى الانتظار لعدّة أشهر، ولكن بمجرّد أن حصلتُ على جميع القطع اللازمة انتهيتُ من الجهاز، وبات يمكنني الآن بيع الطابعات ثلاثية الأبعاد وخيوط البلاستيك الخاصّة بها للأفراد والمؤسّسات بسعرٍ معقول جدا،" بحسب أبو مطر الذي قام حتى اللحظة بطباعة أطرافٍ اصطناعية ثلاثية الأبعاد للأشخاص ذوي الإعاقة.
ومشروع "ثر يدي برينتج آرت" هو أحد المشاريع العشرين المحتضَنة في النسخة الثالثة من مشروع "مبادرون لدعم الأفكار الريادية" الذي انطلق أواخر عام 2015 في "الجامعة الإسلامية" بدعمٍ من "مؤسسة التعاون" و"ألصندوق العربي للإنماء الاقتصادي".
استكشاف الأفق
وجدت الطائرات بدون طيار للتصوير من أجل الإعلام طريقها إلى بعض شركات الإعلام داخل قطاع غزة، بحيث أصبحت تستخدمها في التقاط صور أو مقاطع فيديو من علوٍّ مرتفع نسبياً.
لا تزال هذه التكنولوجيا مكلفةً للمؤسّسات وأصحاب المشاريع الناشئة لاقتنائها أو حتى الاستفادة منها، وهو ما يحاول أحمد أبو هدة وحسن الحلاق تغييره من خلال مشروعهم "الروبوت المستكشف" The Explorer Robot.
خلال عملهما على تطوير جهازٍ مصنع محلياً، واجه الثنائي المشاكل نفسها للتمويل المحدود وندرة وجود قطع الغيار لتركيب هذا النوع من الأجهزة الطائرة. لذلك انضمّا أيضاً إلى "مشروع مبادرون"، حيث تمكن الفريق من جلب عددٍ قليل من المحركات والقطع من الخارج ومن الموجود محلياً لبناء نموذج أوّلي.
وبحسب الحلاق، فإنّ أوّل نموذجٍ تمّ تطويره تعرّض للتلف عند اختباره إثر اصطدامه بكرة قدم، لكنّ الفريق رمّم الجسم الحاوي للجهاز ويستعدّ حالياً لاختبار توازنه في الهواء، كما يعمل على تطوير التحكم به بتقنية تحديد المواقع GPS.
أما أبو هدة فيشير إلى أنّ الفريق ينوي استخدام الجهاز لتقديم خدمات التصوير الطائرة للأفراد والمؤسّسات، ويمكن استخدامه أيضاً في عمليات الانقاذ حيث يستطيع حمل حزمة اسعافات أولية يصل وزنها إلى ستة كيلوجرامات.
من الفكرة إلى الإنتاج
يقيم مشروع "سكيتش" الهندسي Sketch Engineering في حاضنة الأعمال والتكنولوجيا في "الجامعة الإسلامية في غزة" ضمن "مشروع بذرة" Project Seed الذي يختصّ بالمشروعات الناشئة الناضجة بدعمٍ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
توافق الشريكة المؤسّسة في "سكيتش" الذي يركّز على تصميم منتَجات صناعية لحلّ مشاكل محلية وخارجية، أمل أبو معيلق، على كون محدودية التمويل وصعوبة السوق المحلية يشكلّان عوائق أمام مشروعها. هذا ما دفع أصحاب المشروع للبحث عن منتَج واحدٍ متخصّص لاختراق السوق، فكان أن أنشأوا جهاز "عربة التسلق" التي يمكن استخدامها من قبل أشخاص ذوي الإعاقة في تسلق السلالم.
وفي الوقت الحالي، يقوم الفريق بصنع قالب يمكن استخدامه لإنتاج عددٍ كبيرٍ من قطع "عربة التسلق" بسعر معقول، ولكن يبقى السؤال إذا كان السوق سيتقبّل هذا المنتَج.
في حين ينمو الاهتمام بالأجهزة والصناعات الإلكترونية في المنطقة ككلّ، فإنّ قلّة الموارد ومحدودية التنقّل في أماكن مثل قطاع غزة سيبقيان بمثابة حجر عثرة أمام روّاد الأعمال في هذا المجال. والزمن وحده كفيلٌ بإثبات ما إذا كان رواد الأعمال سيستطيعون اختراق هذه الحواجز للوصول إلى الأسواق المحلية والخارجية.
*انتهت حملة التمويل الجماعي لمشروع "بولد نوت" في 19
توز/يوليو 2015، وبحسب آخر تحديث على صفحة مؤسّسي المشروع، قبل شهرٍ من
تاريخه، فهم قد بدأوا شحن القطع إلى الزبائن. ولكن المؤسّسين لم يجيبوا على
عدّة محاولات للتأكّد من أنّ هذه هي الحال فعلاً، نظراً لوجود شكاوى على صفحتهم على "فايسبوك" حول عدم التسليم.